vendredi 3 juillet 2015

الدورة الايمانية






نحن على وشك الانتهاء من هذه الدورة الإيمانية التي عقدها لنا ربُّ البرية، هذه الدورة التي ليس لها مثيل في دنيا الناس، فلا يوجد في العالم كله دورة يشترك فيها ما يزيد عن الألف مليون من البشر، رجالاً ونساءً، شيوخاً وشباناً، أطفالاً وبالغين، الكل يشتركون بأمر ربِّ العالمين في هذه الدورة الإيمانية السنوية لمدة شهر كامل،

وهم في بيوتهم، وهم في بلدانهم، وهم في أماكن عملهم، يشتركون بأرواحهم وقلوبهم في هذه الدورة التي نظمها لهم المولى سبحانه وتعالى، فنريد أن نتلمس بعض البواعث التي من أجلها فرض علينا الله هذه الدورة الإيمانية.

إن كل ما وقف عنده الحكماء والأطباء أن هذه الدورة الغرض منها تنقية المعدة وإصلاح شأنها، ثم بعد ذلك إصلاح الجسد الحامل لها، وهذا شئ عظيم وأمر كريم ولكنه ليس الهدف الأساسي كما بيَّن الله في قرار التخصيص، فقد قال في قرار إنشاء هذه الدورة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (183البقرة) .

فكان الهدف من هذه الدورة أن يصل المؤمن إلى مقام التقوى، وأن يتعلق بحبل التقوى، وأن ينضم إلى كتيبة الأتقياء، وإلى صفوف الأنقياء، وأن يكون فرداً في جيش سيد الأنبياء يحارب جحافل الظلام، ويحارب كتائب الشيطان، ويحارب الضلال في أي مكان، ويحارب الرذيلة أينما توجهت، وينشر الفضيلة أينما حلّ أو ذهب، يسعى بين الناس بالأخلاق، ويزيل من بينهم النفور والخلاف والشقاق، يمشي بعد هذه الدورة في دنيا الناس طبيباً ربانياً معه الأدوية المحمدية والأشفية الربانية، يعالج الناس بها من أمراض النفوس.

ولو بحثنا في الكون ما وجدنا مصحات لعلاج النفوس من أمراض الأخلاق. نعم نجد مستشفيات لعلاج الأجسام، وما أكثرها وما أوسعها، وما أكثر العاملين بها أو للعلاج من الأمراض النفسية التى يدرسها الأطباء مثل الفصام والرهاب وغيرها، لكن علاج النفوس من أمراض الأخلاق وسوء الطباع؛

من الغضب ومن الغيظ، ومن الحقد ومن الحسد، ومن الحرص ومن الطمع، ومن الغيرة ومن النفور ومن الشقاق، أروني في العالم كله مصحة نفسية تعالج الناس من هذه الأمراض الأخلاقية مع أنها سبب ما نحن فيه من مشكلات وكل ما نحن فيه من خلافات ومنازعات
إن ما بيننا وما يحدث في مجتمعنا من قضايا النصب والاحتيال، ومن السرقة والرشوة وغيرها من أنواع المشكلات، إنما سببها فساد الأخلاق وسوء الطباع وعدم اهتدائنا بهدى النبي المختار وشمائل أصحابه الأبرار، ولا يوجد مصحة في عالم البشر تعالج هذه الفِطَر إلا المصحة الإيمانية التي خلقها وأوجبها علينا فاطر البشر وخالق القدر،

وأوجب علينا جميعاً أن ندخلها بالاحتساب وصدق الإيمان، ونتنبَّه إلى ما فيها من طوابير أخلاقية بيَّنها لنا النبي العدنان صلَّى الله عليه وسلَّم. وهذه هى الغاية الكبرى من هذه الدورة، أن نأتي بنفوسنا وندخلها في ورشة الإصلاح الربانية لتنصلح أخلاقها، ليذهب شرُّها وليكمل خيرها وليظهر برُّها، حتى إذا خرجت من هذه الدورة سارت النفس طوال العام على هدى من كتاب الله وعلى هدى من سنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى هدى من أخلاق السلف الصالح رضّى الله عنهم وأرضاهم أجمعين.

إن النفس في غيبتها عن التقى وغيبتها عن مراقبة الرقيب تفعل أعاجيب الشرور، تسطو على الضعيف، وتسرق القوي، وتضرب بيد من حديد على الضعفاء والمساكين، لخلوها من نوازع الرحمة التي تأتي من مراقبة ربِّ العالمين عزَّ وجلَّ، ولذلك نجد كل يوم صفحات المجلات والجرائد تأتي لنا بالأخبار التى لا تصدق، والأحوال الغريبة التي عندما نقرأها نتذكر أننا في غابة من الغابات!، ولسنا في مجتمع إسلامي أو مجتمع إيماني.

لأن ما يحدث في هذه المنازعات هو أدنى من أحوال الحيوانات، بل إن الحيوانات بعضها عنده فضائل تغلب على بني الإنسان، فالكلب مثلاً لا يأكل لحم أخيه الكلب الميت أبداً، يأكل لحم الميتة ويأكل الجيف ويأكل القاذورات لكنه لو وجد أخاه مُلقاً على مزبلة لا يقرب منه ولا يقترب من لحمه ولا يمضغه بأسنانه،

فما بالك بالإنسان الذي يأكل لحم أخيه ميتاً، يجلس مع أخيه على نهش لحم أخيه، وعلى الكلام في عرض أخيه، وعلى الحديث بما يسوء أخاه، وعلى محاولة جلب الشر لأخيه، وعلى محاولة العمل على إفساد شأن أخيه. أليس هو في هذا الخلق يتدنى عن مرتبة الكلب؟، مرتبة آدمية لكنها في الحقيقة أخلاق حيوانية

إن هذا هو ما يعالجه الصيام، يجعل النفوس تطهر لحضرة القدوس، وتراقب الله وتصل إلى مقام مراقبة الله عزَّ وجلَّ، وإلى مقام يعتقد صاحبه أن الله مطلع عليه ويراه، وأنه سبحانه وتعالى يراقبه في الخلوات كما يراقبه في الجلوات،

وأنه سبحانه وتعالى يعلم منه خفيات الصدور وحركات العيون، ويعلم منه سبحانه وتعالى حتى الخواطر القلبية التي لم تخرج إلى حيز التنفيذ، فإذا علم أن الله مطلع عليه ويراه فإنه يتجه بالعمل إلى الله، يعامل الله في الخلق ويعامل الخلق في الله، فيقوم مراقباً لله يعمل لأن الله يراه ولا ينتظر الأجر في عمله إلا من الله
إذا صنع معروفاً فإنما يصنعه من أجل الله ولا ينتظر الأجر عليه إلا من الله، وإذا امتنع عن شر فلمعرفته لأن الله يراه وهو لا يريد أن يسوء نفسه أو يشوه صورته أمام خالقه وباريه، فإنه إذا اطلع عليه وهو في المعصية غضب عليه، وإذا غضب عليه حلَّ به عذابه وسخطه، وهو لا يريد أن يخرج من هذه الحياة إلا بقول الله: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (8البينة).

إنما عقدت هذه الدورة الإيمانية لإصلاح أخلاق الأمة المحمدية، فإذا خرجنا من هذه الدورة وقد أتمنناها بنجاح وجاء العيد قد عدنابفضل الله وبركات هذه الدورة الإيمانية عُدْنا إلى سيرتنا الأولى، وعُدْنا إلى حالتنا الأولى التي كنّا فيها عند الله عزَّ وجلَّ، عندما خلقنا قبل هذه الحياة وأجلسنا على بساط الصفاء وخاطبنا بما أخبر به بكلامه:

(أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (172الأعراف)، فيخرج الإنسان من هذا الشهر وقد زال ما في جعبته من الحقد على فلان، أو الكره لفلان، أو البغض لفلان، أو حُبِّ الشر لفلان، أو الرغبة في الانتقام من فلان، أو الحب لغش فلان وفلان.

يُفْرغ ما في جعبته ما في جعبة النفس والنفس هي التي فيها هذه الجعبة القذرة تملؤها بالشرور وتغمرها بالآثام وتلقي إليك بما فيها آناء الليل وأطراف النهار عن طريق الوساوس الشيطانية والإذاعة النفسانية. كيف ذلك؟

إنك عندما تختلي بنفسك تجدها توسوس لك بما أحدثه لك فلان، وبما فعله معك فلان، وما الذي تفعله معه؟ كيف ترد شرفك وكرامتك؟ وكيف تنتقم لشخصك؟ وكيف تعامله بالمثل؟ كل هذا من بضاعة النفس التي تخزنها في مخازنها، وفي هذا الشهر الكريم يقوم المولى العظيم إذا ألقيت نفسك في ورشة القرآن الكريم بإفراغ ما في النفس من هذه الأوحال ومن هذه الخصال،

ويملؤها بخصال الخير وبصفات البر، يملؤها بالحب لكل مسلم، ويملؤها بالرحمة لكل مؤمن، ويملؤها بالرغبة في صلة الأرحام، ويملؤها بالرغبة في برِّ الوالدين، ويملؤها بالرغبة في حبور عباد الله، وإدخال السرور على الفقراء والمساكين منهم في شتى بقاع الأرض، فتخرج النفس وقد امتلأت بحب الخير، وقد امتلأت خزانتها على مصراعيها بصنوف البر، فيخرج الإنسان من هذا الشهر الكريم وقد امتلأ من رأسه إلى أخمص قدميه بتقوى الله وبمراقبة الله وبالرغبة في العمل لما يرضي الله ولما ينال به الشرف بعدما يخرج من هذه الحياة، هذا هو الغرض الأساسي من مدرسة التقوى

http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...D1&id=39&cat=3

منقول من كتاب {الخطب الإلهامية_ج5_رمضان_وعيد_الفطر}
اضغط هنا لقراءة أو تحميل الكتاب مجاناً

https://www.youtube.com/watch?v=1Qj86NA7ft4







Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire